loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

هل تدخّل الإنسان أساسي لانتخاب سلالات أكثر فائدة؟

breakLine

كلكامش نبيل |  كاتب عراقي

 

 

منذ الطفولة، كنتُ أسمع عن نظرية التطور بشكل مبسّط للغاية، وقرّرتُ تبنّيها مبكرًا بدافع أيديولوجي، وقبل دراستها بشكل أبسط في الصف السادس العلمي في العراق، وقبل دراسة الطب، وهذا حال أغلب الناس من جميع المشارب والاتجاهات. يُمكن القول بأن ذلك القرار كان موقفًا إنتقائيًا أكثر منه موقفٌ ناتج عن دراسة متأملة. حاولتُ قراءة كتاب «أصل الأنواع» في عام 2013 بعد التخرّج من الكلية، وفي أول خفارة لي في مستشفى قصر العيني بالقاهرة. بعد ذلك، قرأتُ الكثير من المقالات عن التطوّر، وترجمتُ الكثير منها للمشروع العراقي للترجمة، وأجريتُ حوارًا مع عالم المتحجرات والأحياء التطورية الأميركي «نيل شوبين»، مؤلف كتاب «السمكة داخلك»، ودخلتُ في مناظرات عبر الإنترنت، وتبنيتُ مفاهيم التطور في مجالات التاريخ والاجتماع وعلم النفس وعلم الأخلاق، وغدا منهجي في التفكير وتفسير كلّ شيء.

اليوم، قررتُ فعلا أن أقرأ بدراسة مستفيضة كتاب «أصل الأنواع» لـ«تشارلز داروين» وأشارك معكم بعض التساؤلات والنقاشات.

في الفصل الأول، يتحدث «داروين» عن التغيرات التي تطرأ على الحيوانات المدجّنة، ويدرس الحَمام شخصيًا، ويوضّح التغيرات المظهرية على الماشية والكلاب وبعض النباتات المدجنة، وكيف أن بعضها يبتعد في مظهره الخارجي عن الأصل الذي انحدرت منه، لدرجة أن البعض قد لا يصدق أن هذا النوع من هذا الأصل. مع ذلك، يجب أن نعلم أن الكتاب قديم وسابق لمعارفنا في الوراثة والجينات، وكان يتحدث عن انتقال الصفات بطرق لا تزال مجهولة بالنسبة لهم. مع ذلك، وبينما نُعرّف التطوّر على أنه انتقاءٌ عشوائي غير هادف للطفرات، يبدو أن «داروين» يمنح التدخل البشري الهادف اليد الطولى في انتخاب سلالات أفضل بين الحيوانات المدجّنة، وأن الانتخاب العشوائي بطيء وأقل جودة، وإن كان أكثر رسوخًا. بل أنه يرى أن الانسان المتحضّر أنتج سلاسلات أكثر فائدة من الانسان البدائي، وهذا برأيي يخرق جانب التركيز على العشوائية وغياب الهدف في رؤيتنا المعاصرة للأمر. نقرأ في الفصل الأول، ما ترجمته كما يلي:

«إذا ما تواجد فعلا متوحشون همجيون لدرجة أنهم لم يفكروا مطلقًا في الطبيعة الموروثة لنسل حيواناتهم الأليفة، ومع ذلك فإن أي حيوان واحد مفيد لهم بشكل خاص، لأي غرضٍ خاص، سيُحافظ عليه بعناية أثناء المجاعات والحوادث الأخرى، التي يتعرض لها المتوحشون كثيرًا، وبالتالي فإن مثل هذه الحيوانات المختارة ستترك عمومًا ذرية أكثر من تلك الأدنى؛ لذلك في هذه الحالة سيكون هناك نوع من الاختيار اللاواعي. يمكننا ملاحظة القيمة التي يمنحها برابرة «تييرا ديل فويغو»، أو أرخبيل أرض النار، للحيوانات، من خلال قتل والتهام نسائهم المسنات، في أوقات المجاعة، واعتبارهن أقل قيمة من كلابهم».

ويضيف عن الفرق بين ما ينتجه الإنسان المتحضر والبدائي:

«من شأن قدرٍ كبيرٍ من التغيير، الذي يتراكم ببطء ودون وعي، أن يفسر، كما أعتقد، الحقيقة المعروفة جيدًا، وهي أننا في عدد من الحالات لا نستطيع التعرف، وبالتالي لا نعرف، الأنواع الأصلية البرية للنباتات التي زُرعت لفترة أطول في حدائقنا المخصصة لزراعة الزهور ومحاصيل المطبخ. إذا كان الأمر قد استغرق قرونًا أو آلاف السنين لتحسين أو تعديل معظم نباتاتنا حتى وصلت إلى مستوى فائدتها الحالي للإنسان، فيمكننا أن نفهم كيف أن مناطق مثل أستراليا، أو رأس الرجاء الصالح، أو أي منطقة أخرى مأهولة بأناسٍ غير متحضرين للغاية لم تمنحنا نباتًا واحدًا يستحق الزراعة. لا يعني ذلك أن هذه البلدان، الغنية جدًا بالأنواع، لا تمتلك، بمحض الصدفة الغريبة، مخزونًا أصليًا من أي نباتات مفيدة، ولكن النباتات المحلية لم تتحسن من خلال الانتقاء المستمر حتى مستوى من الكمال يمكن مقارنته بما اكتسبته النباتات في البلدان المتحضرة قديما».

كما أن «داروين» يرى أن وجود عدد كبير من العينات يساهم في تحقيق نتائج أفضل، ولهذا يفشل الفقراء ممّن يمتلكون عددًا قليلاً من الحمير في انتاج أنواع أكبر، كما أن الحدائق الصغيرة لن تطوّر أزهارًا أفضل، مقارنة بقدرات المشاتل، ويؤكد هذا مجددًا على دور الإنسان في الانتقاء. نقرأ:

«ومن ناحية أخرى، فإن أصحاب المشاتل، وبسبب الاحتفاظ بمخزونات كبيرة من نفس النبات، يكونون عمومًا أكثر نجاحًا بكثير من الهواة في تربية أصناف جديدة وقيّمة. لا يمكن تربية عدد كبير من الحيوانات أو النباتات إلا عندما تكون ظروف انتشاره مواتية. عندما تكون العينات ضئيلة، سيُسمح لها جميعًا بالتكاثر، مهما كانت جودتها، وهذا سيمنع الانتخاب بشكل فعال. ولكن ربما يكون العنصر الأكثر أهمية هو وجوب أن يحظى ذلك الحيوان أو النبات بتقدير كبير من قبل الإنسان، بحيث يتم إيلاء أقصى قدر من الاهتمام حتى لأدنى الانحرافات في صفاته أو بنيته. وما لم يتم إيلاء هذا الاهتمام فلا يمكن تحقيق أي شيء».

وإذا ما غاب اجتماع الأنواع في مكانٍ كبير – كالحظائر أو المشاتل – سيكون من الصعب تضريب الأنواع وإنتاج أخرى جديدة، فضلاً عن أن التجوّل الحر للقطط يقلّل من فرص انتاج أنواعٍ أخرى – لكن وضع القطط هذا، في رأيي، يقارب الطبيعة حيث تعيش الحيوانات متفرقة في مجموعات صغيرة في الغالب، وتواصل التجوّل، فكم من ملايين السنين سيتطلب الأمر لحدوث طفرة يتم انتخابها؟ وكيف حصل الأمر حقًا إذا كان غياب التدخّل «الواعي» للإنسان سببًا في تقليل فرص التضريب، وتقليل فرص الانتقاء لخدمة أغراضه؟ وكيف لنا أن نهمل صعوبة التزاوج بين الأنواع البعيدة جينيا؟ وكيف لنا أن نهمل أن غالبية الطفرات ضارة؟ وكيف لنا أن نغفل عن كون الكثير من الحيوانات والنباتات الناتجة عن التهجين عقيمة؟

نقرأ: «من ناحية أخرى، لا يمكن تضريب القطط، بسبب عاداتها الليلية الجوّالة، وعلى الرغم من أنها تحظى بتقدير كبير من طرف النساء والأطفال، إلا أننا نادرًا ما نرى سلالة متميزة يتم الحفاظ عليها لفترة طويلة؛ غالبًا ما يتم استيراد هذه السلالات التي نراها أحيانًا من دولة أخرى. على الرغم من أنني لا أشك في أن بعض الحيوانات الأليفة تختلف بشكل أقل من غيرها، إلا أن ندرة أو عدم وجود سلالات متميزة من القطط والحمير والطواويس والأوز وما إلى ذلك، يمكن أن تعزى في جزء رئيسي منها إلى عدم تفعيل الانتقاء: في القطط، بسبب صعوبة التزاوج بينها؛ وفي الحمير، بسبب أعدادها القليلة التي يربيها الفقراء فقط، ولا يتم إيلاء سوى القليل من الاهتمام لتربيتها؛ لأنه في الآونة الأخيرة، تم تعديل هذا الحيوان وتحسينه بشكل مدهش في أجزاء معينة من إسبانيا والولايات المتحدة عن طريق الاختيار الدقيق؛ وفي الطواويس، بسبب عدم سهولة تربيتهم وعدم الاحتفاظ بمخزون كبير منها؛ وفي الإوز، بسبب كونه ذا قيمة لغرضين فقط، الغذاء والريش، وبشكل خاص من عدم الشعور بالمتعة في عرض السلالات المتميزة منه؛ لكن الإوزة، في ظل الظروف التي تتعرض لها عند تدجينها، تبدو وكأنها تمتلك تنظيمًا غير مرن بشكل فريد، على الرغم من أنه قد تغير إلى حد طفيف، كما وصفت في مكان آخر».

مع ذلك، يختتم «داروين» الفصل الأول بالقول: «وعلى الرغم من كل أسباب التغيير هذه، يبدو أن الفعل التراكمي للانتخاب، سواء تم تطبيقه بطريقة منهجية وسريعة، أو دون وعي وببطء، ولكن بشكل أكثر كفاءة، كان هو القوة السائدة».

بالطبع، الطفرات كثيرة وملحوظة ولاسيما في الكائنات الدقيقة، وفي البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية، ومتحورات الفيروسات، ووباء كوفيد-19 مثالٌ قريب، ولكن هناك الكثير من المحدّدات والإشكالات في الأنواع الأخرى، وهناك فرق بين التهجين والانتخاب الطبيعي، وما يتحدث عنه «داروين» هنا يمثّل جانبًا من تلك المحدّدات، وتناقضًا مع عنصر «العشوائية» الأساسي في تعريف التطوّر.
 

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي