يعنى بالسرد القصصي والروائي
مثال سليمان /كاتبة سورية
النساءُ الصامتات كالأرضِ الطاهرة، يمرُّ فوقها الحبُّ دون أن يمسَّ أعماقها. يحملن قبائلَ من الأحلام، ويُرضعن أطفالًا من ماءٍ لا يروي، لأن الحُبَّ الذي يُشبع الروح لم يكن يوماً في صدور من ارتبطوا بهن. كيف تُزهر الأنوثة إن لم تُسقَ بشغف الحياة؟ وكيف تعبر المرآةُ دون أن تسأل: أين بقاياي؟ أين ذاك الحنينُ الذي نُسي في زوايا الغرف المغلقة؟
الزمانُ شاهِدٌ، يلتفت خلفه ليُحصي النساء اللواتي حملن أسماءً نُطقت بغير حُب. نِحلة المرأةِ ليس ذهبًا ولا بيتًا، بل اسمها حين يُقال كما لو كان قصيدة. الاسمُ حين يخرج من فم الحبيب، يغدو صلاةً تُطهر القلب و يقيناً يُعيد إليها ما سُلِب.
***
الجمعُ آن امتلأ بالفراغ، حضر هو، حامِلًا كثرتَه. بدا الحُبُّ أثقل مما يحتمل القلب، بدا صوته وحده يعيد الأشياء المفقودة، كأنّ في حضوره نداءً للأمكنة كي تمتلئ. والآن، غائب، غيابًا يَثقل الهواء ويُثقل الروح.
في الليل، إن صمتَ كل شيء، تجلس محدِقة في فراغ المكان. الحياة في داخلها بركانٌ خاملٌ، قابعٌ تحت رماد الصمت. كيف تُطفأ نارٌ لم تُشعلها يد؟ وكيف تنطفئ رغبةٌ لم تجد صوتًا يُلامسها؟
تتذكر الوجوهَ التي مرت عليها، الوجوهُ لم تكن سوى قناعٍ فوق قناع. رجالٌ ذئاب، نساءٌ أفاعٍ، وهي تسير بينهم غريبة بلا انتماء.
في ظلال الليل، تذكرت الأمهات اللواتي يُرضعن أطفالهن عطشًا، كيف هو الحُبَّ إن لم يُزرَع في القلب، لن يُثمر في اليد، ولن يصل إلى أفواه الصغار. هي الأخرى كانت أمًا لعطشٍ يبتلعها، عطشٍ يلتف حولها كخيوطٍ من سراب.
وفي زحمة السهر، تغدو القصيدة مهدها، والكلمات وليدها. النساء هناك يرقصن تحت أضواءٍ كاذبة، في أحضان صخبٍ لا يعني شيئًا، لكنها، وحدها، تهز مهد الشعر كأنها تُهدئ روحاً أنهكها البعد.
***
وإن مرت ذكرى الحُبِّ في خاطرها، تذكرت كيف كان الحزنُ طقسًا يُبكي رجُلًا على كفها و عيناه تخبرانها أن البكاء لا يعيب وأن الحزنَ هو الثمن الوحيد للإحساس بالحياة.
قصيدتها، الآن امرأة وحيدة، امرأة لم تعد ترتدي الفساتين بأزراره الخلفية. فساتين تحتاج يداً أخرى لتُغلقها، يداً لم تعد معها. تُركت كذكرى لامرأةٍ لم تعد تؤمن إلا بالصمت.
الصمتُ أنيسها. يزور أعمق زواياها، تعرف أنها كانت يومًا ماءً رقراقًا، والآن صحراءٌ تنتظر مطرًا لن يأتي.