loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

الحمار الأنيق

breakLine

 

 

 

 

محمد مزيد || قاص عراقي

 

لأول مرة في حياتي، ألتقي حماراً أنيقا، وأنا جالس في حديقة كبيرة، بقصد الإسترخاء، أنظر الى النساء الجميلات اللواتي يرتدين الملابس القصيرة والبنطلونات الضيقة، تتلاعب الرياح بشعورهن. تقع الحديقة على منحدر جبل، يتجه الى الوادي العميق، الذي تقع أسفله مدينة قيصري، التي أسكنها منذ عشر سنوات.  


كنت اتأمل أشجار السرو، التي تشبه كل شجرة منها، ثوب العروس المنفوخ من الأسفل، وعند قمتها يتكون الخصر، كأنه خصر فتاة  سترتدي ذلك الثوب. في تلك الاثناء، فإذا بالحمار يمد بوزه لي، من خلفي حيث أجلس على أريكة حديدية، يرتدي ربطة عنق على جلده الاملح الرصاصي، وهو يقول لي : -
- هل تقبلني صديقا لك؟  
ذعرتُ، فوجئتُ، كدتُ أهرب منه، ألتفت الى اليمين والى اليسار، كنت أنتظر أن يرى الناس ما أرى ، لكن العوائل، الرجال والنساء والأطفال ، كلهم مشغولون باللعب، والاكل، والانشغال بالموبايل ، لا أحد يمكنه ان يرى ما يجري لي ، فقال :
- لا تخف مني، أنا حمار بشري . 
شعرت بالإستفزاز، والقرف، كيف يمكن أن يكون لي صديقا على هيئة حمار ؟ وقد تركت بلادي ذات يوم، بسبب كثرتهم التي زاحمت حياتي ، أضاف : 
- لا تظنني من أولئك الحمير الذين يعدون من صنف الحيوانات، أجتاحت العاصفة بلادي قبل عشرين سنة، فحولتني من إنسان الى حيوان بصيغة حمار . 
بعدها ضحك، كانت ضحكته بشرية، أظهرت أسنانه البيض، وبقايا خضار عالق بها، من أوراق أشجار السرو، التي تحيط بالمكان. استفزتني بشدة ضحكته ثم قال:
- أنا لا أخدعك، لا أريد إخافتك، بإستطاعتك أن تسألني أي سؤال، حول أمور الحياة، وسأجيبك فورا بدون تردد. 
في تلك الاثناء أقتربت فتاة جميلة، بيضاء الوجه، تبتسم، وفي يدها باقة ورد أصفر ، من تلك الورود البرية التي تنبت هنا على جبل علي، بسبب الامطار الغزيرة التي تنعم بها هذه البلاد، وقفت الفتاة بجانب الحمار ووضعت كفها الرقيقة البيضاء على ظهره واليد الاخرى اطعمته من باقة الورد البري ثم قالت له :
- ماذا تفعل هنا يا زوجي العزيز؟ 
بقيت ذاهلا لثوان ، زوجها !! أيعقل أن تكون هذه الفتاة التي تقطر عسلا، بثوبها السمائي الخفيف، الذي يكشف فخذيها المبرومين وصدرها العامر، زوجة هذا الحمار؟
همست الفتاة بأذنه الطويلة، سمعتُ ما قالت له:
- الم أخبرك يا عزيزي الا تتحدث مع الناس؟ ستصيب الرجل بالجنون. 
نظرتُ إليها، وقد أرتبكتُ، أكاد أصاب بالجنون فعلا، نظرت الى شفتيها الورديتين، المبللتين، والى عنقها الأبيض المرصوص، كأنه عمود من المرمر، والى عينيها العسليتين الضاحكتين، والى خصرها النحيف، كأنها شجرة، يغطي ثوبها ردفيها الكبيرتين، حتى بدا شكلها يشبه شجرة سرو. 
ثم التفتت الي، وقالت:
- لا تصدق بكل ما قاله لك، هل حدثك عن العاصفة؟ لا تصدقه، ليست هناك عاصفة، كل ما في الامر، انه كان مع الجماعة، ثم جاء بي الى هنا. 
مازلت مرتبكا، غير قادر على لملمة أفكاري، نظرتُ الى أجواء الحديقة، حيث يلعب الأطفال بالكرات، تجلس النساء يعدن الطعام على سفر ممدودة، يجلس الرجال جماعات على الارض أو على الارائك الحديدية ، ينظرون بشبق الى الفتيات الراكضات بين الأشجار، وينهرون الأطفال بعدم الاقتراب من منحدر الوادي .. أريد أحدا يلتفت الي، ليرى الحمار وزوجته، لكن لا أحد يبصرني .. 
سألتها: 
- هل من المعقول أنكِ زوجة هذا الحمار؟ 
ضحكت الفتاة الجميلة، وبان صف أسنانها البيض، بلعت ريقها، وهي وتمسد على ظهره، تكاد تصل يدها الى بطنه، وما تحتها، فقد اظهر الحمار في تلك اللحظة، فحولته، منظرهما الشاعري أستفزني أكثر، فهي تتغزل بحيوان، وأنا الهارب من الحمير في بلادي، سعيا بلقاء بشر لا يتحدثون لغتي، نوعا من الهروب العقابي، لانني أعيش في زمن، تكالبت به الحمير على البلاد، ليحكموه، ثم أجد نفسي مع احدهم الان .. 
قال الحمار الى الفتاة : 
- اصعدي على ظهري حبيبتي، لنطير الى شقتنا، سيصاب الرجل بالجنون فعلا. 
صعدت الفتاة على ظهره، وكشف ثوبها عن فخذيها المبرومين، ثم طار الحمار، ولا أحد من العوائل التفت الى طيرانه ، قالت الفتاة وهي تلوح لي ضاحكة :
- الى اللقاء في واد آخر أيها الانسان.