loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

حذاء مهترئ

breakLine

 

 

 


سهام محجوبي | كاتبة مغربية

                     

رفعت شذى نبرة صوتها قائلة:
نحن لا نصبح أقوياء من فراغ، بل من شدة الضربة التي نتلقاها، ولا نصبح ناجحين من فراغ، بل من شدة الوقعة التي نتعرض لها في كل مرة نحاول فيها النجاح. فالروح المقاتلة هي التي تفوز في النهاية، وأنا أقسمت لجدتي وهي على فراش الموت أن أجعلها فخورة بي.
ثم نفضت غبار الاستسلام من فوق حذائها الرياضي المهترئ، ونهضت تُسابق صديقاتها من جديد وكلها أمل في الفوز هذه المرة. لكنها لم تتجاوز المِترين حتى سقطت من جديد بنفس القوة. كانت تريد البكاء بأعلى صوتها واخراج ألمها للسماء السابعة، لكن عزة نفسها منعتها، فنظرات صديقاتها الساخرة دفعتها لابتلاع قهرتها. 
كانت تحب خوض الحروب والمعارك الأكبر منها، ولا تحب رائحة الفشل أبدا.
سمعت صوتا من بعيد لإحدى صديقاتها في المدرسة يقول:
شذى اليتيمة المسكينة لن تصل إلى خط النهاية.
نهضت مرة أخرى ووقفت على قدميها الصغيرتين المتعبتين، والألم قد تآكلاهما، ثم قالت في نفسها:
هل سأسمح لبعض السقطات أن تقتل الحلم الذي أصبو إليه؟ أعرف أن هذا الحذاء المهترئ هو السبب، لكن لا بد أن تكون عزيمتي أكبر من اهترائه. هل تَعِينَ يا نفسي ماذا يعني أن أفوز بالمركز الأول وهذه أول مشاركة لي في هذا السباق؟ هذا يعني أني خلقت لأجري، والجري خلق لي. وهذا يعني أني وجدت طريقي في الحياة. هيا يا نفسي تشجعي لم يبق لنا إلا القليل، أعرف أنك تستطيعين.
ثم سمعت صوت أب أحد المتسابقات وقد أحضر حذاء إضافيا معه لابنته ويرميه باتجاهها وسط حلبة السباق:
خذي هذا الحذاء، لأن حذاءك لن يوصلك إلى خط النهاية، صدقيني.
لبست الحذاء بسرعة البرق، أحست براحة، فاختفى الألم، ثم تسللت ابتسامة خفيفة إلى مُحياها. شكرت الرجل وانطلقت بأقصى سرعتها، بدأت تتجاوز المتسابقات الواحدة تلو الأخرى، وكلما تعدت إحداهن أحست بحماس أكثر، وقوة أكبر، وزادت سرعتها أكثر من ذي قبل. وكأنها تستولي على سرعتهن وتضيفها إلى سرعتها.
تعجب المتفرجون من سرعتها الفائقة لدرجة أنهم لم يستطيعوا تمييز ملامح وجهها من سرعتها. 
كان الكل يتساءل:
من هذه المتسابقة السريعة؟ 
لا يعرفون أنها فتاة قروية يتيمة الأب والأم وتعيش مع جدها فقط، بعدما توفيت جدتها التي أغدقتها بالحب والحنان طوال سنواتها السبع الأولى من حياتها، وخلفت وراءها فراغا لم تستطع شذى المسكينة أن تملأه. كانت تخرج كل يوم من المدرسة وتجري بأقصى سرعتها حتى
لا يلمح أصدقاؤها بكاءها أثناء الطريق، لأنها لن تجد جدتها بانتظارها في المنزل، كانت لحظة دخولها إليه لتجده فارغا من صوت جدتها، من أشد اللحظات التي تؤلمها. وهكذا حتى سمعت أن هناك سباقا سيقام بالقرب من قريتها، فاقترح جدها عليها أن تشارك فيه، خصوصا وأن جميع صديقاتها في المدرسة سيشاركن، إلا أنه لم يستطع الحضور وتشجيعها لكثرة أشغاله في الحقل.
شذى كانت تملك مشجعا واحدا ضمن الحضور وهو نفسها، آمنت بقدراتها غير المحدودة، ورغبتها الشديدة في جعل جدتها التي تعيش في السماء -حسب تصورها- فخورة بها.
وبعد أن تعدت كل المتسابقات وأصبحت في المركز الأول، ووصلت إلى خط النهاية، نظرت إلى السماء وقالت:
هذا الفوز من أجلك يا جدتي.
سمعت تصفيقا حارا من المتفرجين وهم يهنئونها بالفوز رغم عدم معرفتهم بها. في المساء عندما عادت إلى منزلها وهي تحمل ميدالية ذهبية معلقة على صدرها وحذاء رياضيا جديدا في يدها، كانت فرحة جدها وفخره بها لا يوصفان، تناولت العشاء برفقته، ثم دخلت إلى غرفتها وعلقت الميدالية على صورة جدتها المرحومة.
أحيانا لا تلزمنا إلا فرصة واحدة لا غير حتى نُري العالم ما نحن قادرون على فعله، وعندما تحين تلك اللحظة فلنطلق العنان لأنفسنا ونستمتع بنصرنا.