loader
MaskImg

السرد

يعنى بالسرد القصصي والروائي

ليزا

breakLine

 

 

 


أغصان الصالح - كاتبه عراقية

 

لا يفصلني عن ليزا الفتاة الكندية ذات الأربع وعشرين ربيعًا سوى بعض البيوت، كنت أراقبها وهي تكبر يومًا بعد آخر، الأمر المحزن  هو إنّها ولدت وكبرت في بيت لا يحترم مواعيد الطعام، ولا يهتم لأنواعه، تتهدل أرطال من الزوائد اللحمية من زنديها وبين أفخاذها, إنّها الابنة الوحيدة والمدلّلة لأم عازبة تعمل طوال الليل في خدمة التنظيف في أحد الفنادق، لم يحدث أن أحبّت ليزا شابًّا أو أُعجب بها أحد، القبلة الوحيدة التي حصلت عليها كانت بسبب رهان بين الصبية، والخاسر يقبّل ليزا ويتحمل رائحة الثوم  والطعام، وكانت النتيجة أنّ الصبي تقيأ مباشرة.
لليزا صوت عذب، يختلف تمامًا عن مظهرها, يمكن القول إنّ الصوت المثير الذي تمتلكه هو دليل أنوثتها, صوت يلمس شيئًا خاصًّا من الداخل, يحاول الحفاظ على ذاته برغم أكوام اللحم التي تحاصره، في إحدى المرّات أخبرني رجل من حيّنا, أنّه يعشق الحديث معها، لكن بمجرد النظر إليها يفقد  متعته تمامًا.
حشرت ليزا نفسها في أحد المقاعد في الباص، واتّصلت بوالدتها، وكان رجل يجلس في المقعد خلفها، طلبت ليزا من والدتها أن تعدّ لها أكلتها المفضّلة، وبدأت تصف لوالدتها بصوتها المثير العذب كم هي جائعة، وكيف ستلتهم الدجاجة المشوية، وكيف ستلعق الصوص الذي يغطّيها أولًا، بدأ الرجل الذي يجلس خلفها بتمرير يده بين فخذيه، فيما كانت ليزا مستمرّة في الكلام، فجأة توقّفت لتردّ على سؤال والدتها:
- لم أحصل على وظيفة بعد، وأخبرتني المرأة التي تعمل في مكتب التوظيف أنّها ستهاتفني حالما تجد وظيفة تناسبني.
سحب الرجل الذي يجلس خلفها ورقة وقلم من حقيبته، وأعطاها لليزا:
- اكتبي اسمك ورقم هاتفك وعنوانك، وأنا سأبحث لك عن وظيفة..
أخذت الورقة من الرجل، وكتبت معلوماتها وأعطته الورقة، لكنها فشلت لم تستطع أن تراه بشكل دقيق، لأنّها كانت محشورة في المقعد، ومن الصعب أن تستدير، بعد منتصف الليل طُرِق باب بيت ليزا:
- هذه البيتزا وأجنحة الدجاج مع صوص وقنينة الكولا اثنين لتر.
- لكنّي لم أطلب بيتزا؟
- أعتذر سيدتي، إنّها طُلِبت باسمك وعنوانك.
أخذت ليزا الطعام ووضعته على طاولة القهوة، وقبل أن تتناول أول لقمة رنّ هاتفها.
- مرحبا ليزا، كيف حالك؟
- بخير شكرًا.
- هل وصلك الطعام؟
- نعم, أنت من أرسله؟
- نعم عزيزتي، ومازلت أبحث لك عن وظيفة, أنا الرجل الذي حدّثك في الباص صباحًا.
لم تتعب ليزا نفسها وتتذكر من هو وكيف يكون، لأنّها كانت تفكر بالأكل الذي أمامها.
- ماذا ستفعلين الآن؟ هل ستأكلين؟
- نعم، إنّه يبدو لذيذًا جدًّا.
- أخبريني ليزا كيف ستأكلين الأجنحة؟ هل ستغمسينها بالصوص أولًا؟ أم إنّك تتناولينها مباشرة؟
بدأت ليزا تتناول الطعام، وتصف للرجل بصوتها المثير كيف تلتهم الأجنحة المقرمشة المغطّاة بصوص، ثم كيف تنتقل بعدها إلى قطع البيتزا واحدة بعد الأخرى، لم تخجل ليزا البريئة  من أن تصف له كيف كانت شرائح البصل والطماطم تتساقط على حنكها وبطنها  وملابسها بطريقة طفولية وساذجة، ربما كانت تطمع بأكل أكثر، كان الرجل مستلقيًا على سريره، ويستمع لليزا بسماعات الهاتف، بينما كانت يداه في مكان آخر، مع آخر لقمة انقطع الاتّصال، لم تكلّف ليزا نفسها وتهاتفه، بل إنّها لم تتحرّك من الأريكة، أسندت رأسها إلى الخلف، وغطّت في نوم عميق.
بقيت على هذا الحال, كلّ ليلة يحضر لها أشهى وأدسم الأكلات، ويعدها بأن يبحث لها عن وظيفة في الصباح، كانت فرصة حصولها على عمل تقلّ يومًا بعد آخر مقارنة بوزنها الذي يزداد.
بالأمس عندما خرجت أنا وصغاري على درّاجاتنا الهوائية مررنا على بيت ليزا, توسّل الصغار من أجل أن نتحدث معها، فهي ذات وجه طفولي بريء، ألقينا عليها التحية، فيما كانت جالسة على عتبة الباب الكونكريتية، فكنت أسمعها تحدّث الصغار عن الرجل الذي يرسل لها الطعام ويبحث لها عن وظيفة، وبعدما أنتهى حديثهم، سألتها:
- هل حصل الرجل لك على وظيفة؟
- لا، ليس بعد.
- ليزا، ما الذي يدفع رجلًا مثل هذا ليشتري لك كلّ هذا الأكل بلا مقابل؟
- عذرًا، ماذا قلتِ؟
لم أكرّر سؤالي، وقلت لها:
- لا شيء عزيزتي، أتمنّى لك مساء سعيدًا.