loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

من تشظي الذات إلى أفولها في الشعر الجزائري المعاصر

breakLine

من تشظي الذات إلى أفولها في الشعر الجزائري المعاصر

د. ميداني بن عمر / ناقد و شاعر جزائري

 

ملاحظة:-

عثمان لوصيف ، خالد بن صالح، محمد بن جلول ، محمد قسط نماذج

ملخص:-

إن المتأمل في مقامات حضور الذات وتمثلها في النص الشعري الجزائري المعاصر منذ أكثر من ثلاثة عقود سيقف عند تحولات نسقية واضحة بين ذات متضخمة طاغية الحضور في خطابها تنبثق عوالم النص من خلالها، إلى ذات فاعلة نسبيا في الخطاب تحضر كي تشهد القارئ على صوتها داخل فضاء بوليفوني متعدد، إلى ذات حيادية مشاهِدة تكتفي بالرصد وسرد الوقائع الجمالية على مسافة من الحدث الشعري ...ذات يتلاشى حضورها تماما ويمحي كي تسمح للأشياء والظواهر من حولها أن تقولها ... تتطلع هذه الدراسة أن تقرأ تحولات النسق الفني والثقافي اللذين يحكمان تحولات حضور الذات الشاعرة في خطابها وأثر كل ذلك في تحول الرؤيا الشعرية الجزائرية المعاصرة

Abstract
Contemplating the status of the self’s presence and its representation in the contemporary Algerian poetic text for more than three decades, we would come across clear pattern shifts between a swollen self, with a super-dominant presence in its discourse out of which the worlds of the text appear, to a relatively effective self which marks its presence to integrate the reader into its voice within a multi-polyphonic space, to a neutral self that merely observes and narrates the aesthetic facts at a distance from the poetic event. A self that completely disappears to allow things and phenomena around it to speak out on behalf of it.  This study aspires to read the transformations of the artistic and cultural patterns that govern the transformations of the self’s poetic presence in its discourse and the impact of all this on the transformations of contemporary Algerian poetic vision.
Key words: the self, contemporary Algerian poetry.

مقدمة :

  إن أي متابع حصيف لمآلات أنساق الشعر الجزائري المعاصر لا يعزب عنه أن يلمس تحولاتٍ لافتة في تمثيلات الشاعر لذاته في نصه الإبداعي ، وهي تحولات منذورة لتحولات ثقافية لفحت فضاءات ثقافة الشاعر العربي عامة، والجزائري خاصة، أسفرت عن انسحاب بيِّنٍ لظلال الذات في الخطاب، أو تشظّيها داخل أكثر من بؤرة فيه، عبر إحالات وإبدالات متعددة للذات، ما سيسفر عن تحييد لحضورها في مقابل الأشياء والموضوعات والعوالم الممكنة التي يكتنفها فضاء النص الدلالي ، حتى بتنا نتحدث عن «شعرية للتشيؤ «و» شعرية للتفاصيل» حين تطغى فاعليتها في مشهدية الحدث الشعري على ذات شاعرها التي كانت فيما سلف من التجارب معتدة بتعاليها الرؤيوي والرومنسي التعبيري الطاغي حيث يتدفق المسار التخييلي منها وإليها تبعا لأنساق تم تجاوزها، إلى أنساق كونية جديدة نادت بموت الإنسان، وقد تهاوى (أولمب) اليقينيات فوق كينونته التي ظلت ردحا من الزمن على تماسكها.
   لقد انحدر الشاعر المعاصر من أكثر من مقام، تبعا للتحولات الوجودية الكبرى لنظرة الإنسان لذاته. من الشاعر النبي/الملهم الذي يستودعه المطلق أسراره، إلى الشاعر الثوري الإحيائي، الذي يحمل على عاتقه البشارات الكبرى ليوطوبيا يقود الجماهير الضريرة بمشعل روحه المتقدة إلى أعتابها المُقْبلة. إلى الشاعر الرومنسي الصوفي الباكي نايَه القصبيّ المجتث من شجرة الخُلد. إلى شاعر هذا الراهن الذي لم يعد يعبأ بأسئلة الوجود الكبرى، ولم يعد يقلقه البحث عن إجابات جاهزة يضعها في أفواه مريديه الفاغرة. وقد خلد العقل البشري المعاصر إلى نسبيات نظرية مستتبة تتهاوى في أفقها كل أعمدة المطلقات القديمة. فكيف يتسنى لنا أن نقرأ تجليات هذا التحول في تجارب انتقيناها نماذجَ من الشعر الجزائري المعاصر، وما مدى تفاوت حضور الذات وتلاشيها في هذه التجربة من غيرها وكيف يتسنى لنا أن نقرأ هذا التفاوت فنيا وثقافيا؟

ينبغي لنا ونحن نتأهب للولوج إلى أعتاب هذا الموضوع أن ننطلق من محددات مفهومية أولية لا بد أن تكون في حُسباننا ونحن نمخر عُباب التجارب الشعرية المدروسة وهي  ضرورة التفريق بين» ذات الشاعر» (مضاف / مضاف إليه) و»الذات الشاعرة « (صفة / موصوف) في الخطاب.  إذ الأولى تشير إلى حقيقة الشاعر في الوجود، إلى كينونته وشخصيته المكتملة التجليات في فضائه الأنطولوجي خارج النص أو قبله وبعده . في حين أن» الذات الشاعرة « كما أجْلَتْ ملامحَها المناهجُ النقدية الحديثة مدلول مختلف عن ذات الشاعر الذي يرى محمد عبد المطلب أنه – أي الشاعر- :" انتهت مهمته منذ اكتمل عمله الإبداعي الذي أصبح ملكا للمتلقي يمارس فيه القراءة بمناهج مختلفة، بينما الذات الشاعرة/المتكلمة، تكون حرّة، طليقة تفعل، وتتكلم، تسكن، وتتحرّك متحرِّرة من سيطرة مبدعها، ومتشكِّلة في إطار لغوي له خصوصيته الإفرادية والتركيبية (1) "  . 
  إنها ذات تخلّقت داخل أنساق النص، لتحيَ في نسيجه، وتطوف في ملكوته الدلالي حرة طليقة تمتطي مصيرها المنفلت عن مشيئة مبدعها، لتبتعد بدرجة بيّنة واضحة عن كينونته ...إنها ذات قد تكون تعبيرا عن دوافع ورغبات ذات الشاعر، قد تعكس ما يكتنف وجوده من ملابسات سوسيو ثقافية وتاريخية لكنها تضلّل الباحثَ وهو يدلف إلى النص مطابقا بين ذات النّاص و» ذات النص« ... ذات تكتبُ النصَّ، وذات تنكتبُ فيه وتنصاع إلى أنساقه، وخصائص الجنس الذي ينتمي إليه، وانتظارات متلقيه، وما آلت إليه أنماط الكتابة الإبداعية من تطور عبره، ما يحيل الذات الكاتبة كي تتمشهد في الخطاب إلى عدة انكسارات منعكسة في موشور النص قبل أن ترتدَّ إلى ملمح متجدد فيه. وهو ما حدا بصلاح فضل في معرض حديثه عن تجارب شعرية لشاعرات مصريات يوظفن أجسادهن في خطابهن إلى القول بأن :"  ياء المتكلم المضافة إلى (جسدي) لا ينبغي أن تنصرف بشكل تلقائي إلى ذات الشاعرة في كينونتها الخارجية الخاصة، بل هناك ما يسمى دائما بصوت القصيدة، وهو كائن أدبي مستقل ومنفصل، ويتعين علينا أن نتدرب على التمييز بين الهويتين، فلا نحسب أن ما يأتي بضمير المتكلم إنما هو من قبيل الاعترافات الذاتية...وأدب المرأة أحوج ما يكون إلى هذا التمييز" (2). 
 ونحن إذ نسوق هذه التحديدات فإننا نتهيب الوقوع في الالتباس بين الذات الكاتبة التي تنخرط في أنساق ونماذج وأنماط كتابية منبثقة من سياقات ثقافية تاريخية غالبة، لنتفق إلى حدٍّ ما مع من يقول بأن " الأنا الكاتبة هي دائما أنا لذات أخرى غير ذات المؤلف، تنبعث بانبعاث فعل الكتابة، وتنمو وتنشأ فيه، وما إن يقل المؤلف: «ها أنا ذا» حتى يجد نفسه يتحدث عن ذات أخرى غير ذاته المرجعية، ذات كونتها عوامل متشابكة تخرج عن حدود الذات المرجعية التاريخية، منها اللغة والحضارة والثقافة والإيديولوجيا... تعطي ذات المؤلف هوية جديدة يكتسبها بفعل الكتابة"(3)، حتى نستطيع أن نفسر –تقريبا- ما يَسِمُه البعض بفصامية المبدع العربي بين شخصيته الطلائعية القطائعية في نصه، وشخصيته المحافظة المطبِّعة مع واقعه في الحياة ، ويتجلى هذا بوضوح في بعض النماذج الحية من أدباء وشعراء العرب في هذه المرحلة . ذلك أن للنص الإبداعي وأنساقه ترحاله وعبوره الجينيالوجي داخل مدارات ثقافية مختلفة عن مدارات تطور ذاته المتشرنقة في اشتراطات سوسيولوجية أقل تناغما مع ما يجد نفسه فيه وهو محمولٌ ومحلِّقٌ في آفاق مخياله الشعري داخل نصه. وهي خصيصة تكاد تكون عربية في الغالب الأعم مما يمكن أن نسوقه من أمثلة لأسباب يدركها الفاحص اللبيب، والقارئ الأريب للمشهد الثقافي الأدبي عندنا.
  ويبدو أن مردّ عدم التناغم ذاك ناجم عن تفاوت تأثير الوسيط الثقافي الرابط بين التجارب الإبداعية، وبالتالي الثقافات، وتأثير نمط الكتابة داخل الثقافة الواحدة لاهتراء الحدود الفاصلة بينها، حين يجد المبدع ذاته مستَلَبَةً بين هوس محاكاة أنماط كتابية، وتجارب فنية في مظان شعرية أخرى، وبين توجسه المُمانع من أن ينجرف وراء هذه التقنية التعبيرية ويجُبُّ خصوصيتَه ما يقف خلفها من فلسفات وإيديولوجيات وعقائد مختلفة .
  وقبل هذه الحقبة، وقبل ثورة الوسيط الأنفوميديائي، يمكن لنا أن نجد اتساقا نسبيا بين دينامية تطور الفن القولي، وتطور مجتمعه، وبالتالي الفرد المبدع ضمن هذه البراديغمات ، ما يسوقنا إلى الحديث هنا عن مصطلح (الجيل الأدبي) الذي يتعالق بشكل كبير مع ما نحن بصدد التوطئة له هنا " إذ يُعدُّ (الجيل الأدبي) من المفاهيم المركزية داخل مطبخ سوسيولوجيا الأدب، فالجيل لا يشير فقط إلى التحقيب الزمني، بل يدل أيضا على الملامح الاجتماعية التي تبصم أدبا ومجتمعا بعينه، وبذلك فالجيل يتخذ معنى الجماعة من المبدعين الذين تتوحد أو تتركز انشغالاتهم الأدبية والمعرفية حول موقف أو قضية محددة، ما يقودهم نحو تعميق النقاش حول القضية نفسها، وإنتاج طروحات متقاربة أو مختلفة بصددها، وهو ما يؤدي ختاما إلى تبلور تيار إبداعي تنتجه الشروط السوسيو سياسية حتما، وبذلك يصير مفهوم الجيل دالا على التحولات والتغيرات التي يعرفها المشهد المجتمعي في كليته " (4). وهو تعريف لم يعد يفضي إلى نتائج تتطابق تماما مع تطلعات فرضيات الظاهرة الأدبية في واقعنا المختلف الملتبس المفتوح، في ظل تشظي الذات، وانفصامها تحت أكثر من تأثير وتفاعل واستلاب داخلي وخارجي على حد سواء. 
  وسنكتفي برصد تحولات الذات الشاعرة في خطابها الشعري داخل أنساقها المتحولة باعتبار أنها مُنتج تخييلي داخل سيرورة شعرية كونية جديدة تحتكم إلى (الحساسية) أكثر من احتكامها إلى الضرورة السوسيوثقافية عبر المجايلة التاريخية والإنصات إلى صوت الجماعة الأدبية ربما ، بوصف (الحساسية) استجابة سريعة ومباشرة وتلقائية وكثيفة في آن لأي أثر جمالي أو فني سائد في راهن الأديب الجديد كما فهمها (لويس عوض)، لتكون هذه النزعة أكثر مرونة وانفلاتا من ربق الجيل والمدرسة الأدبية. وكأننا على أعتاب الحديث عن تحولات شعرية تنعي مفهوم الجيل إلى الحديث عن موته ونحن نقرأ منذ طلائع القرن العشرين عن (جيل ضائع) منفرط من عُقال الأجيال الأدبية التاريخية في أمريكا مثلا (همنغواي) (5) ، حيث تمَّحي الملامح المشتركة وتغرق سماتها في سديم من الملامح الشبحية القلقة والمتعددة، لأنها قطعت الحبل السُّري الذي يربطها بالجماعة التي انبثقت منها. ولا أصدقَ شاهدٍ يمكن أن يكون أفضل مما ذهب إليه الباحث الجزائري أحمد يوسف حين لم يجد وصفا يليق بالحساسية الشعرية الجزائرية الجديدة أفضل من (شعرية اليتم) وذلك في كتابه (يتم النص و الجينالوجيا الضائعة «تأملات في الشعر الجزائري المختلف») (6). وهو إذ يتحدث عن يتم للنص، فهو ضمنا يتحدث عن ذات نصية محايثة داخل أنساق هذا النص تعاني يُتمها وتكابد مصيرها القطائعي الفادح وهي توغل في عبورها العصيب نحو أكوان شعرية مختلفة ناشدة الخلاص مما أسماه الأمريكي (هارولد بلوم) بــ (قلق التأثير) وهي عقدة أوديبية تروم التخلص من أبوة جمعية لنص سابق ، مفهومٌ ابتكره (بلوم)  ليعيد "على أساسه كتابة التاريخ الأدبي بالارتباط  مع (عقدة أوديب)، فهو يرى أن الشعراء يعيشون بقلقٍ في ظل شاعر «قوي» سبقهم، كما يعيش الأبناء في ظل قمع الآباء الذي ينالهم. وهكذا تكون قصائد هؤلاء الشعراء محاولة للفرار من قلق التأثير هذا عن طريق صياغتها الجديدة لقصيدة سابقة، بمعنى أن الشاعر وقد أطبق عليه التنافس الأوديبي مع سلفه (الخاصي) يلجأ إلى تجريد تلك القوة من السلاح عن طريق اقتحامها من الداخل، كاتبا بطريقة تفتح، وتُبدّل، وتعيد سبك قصيدة السلف" (7) ليكون النص برمته دالا عن ذات قلقة تبحث عن ملامحها المستحيلة داخل أنماط سالفة تحاول أن تعيد نمذجتها وفق أنساقها المتجاوَزة والتي يقاومها الشاعر داخل خطابه بكل ما أوتي من وعي بجبروتها الرمزي، وطاقته التحديثية ومع ذلك يظل صوتها الغريب يدمدم في رئتيه ويرتدي ظله. يقول الشاعر الجزائري محمد بن جلول :"
خوفا من أن تبتلعك الأرض
فجأة
لم تقعد
كسحابة دخان نافقة
تتماوج في صدر الغرفة.
تحجَّجتَ بذلك وتوهَّمتَ كممسوس يتقطّر بالليل
أن ثمّة كائنات أخرى أكثر أنجما منك تشعّ
بأجنحتها البيضاء كحشرات وامضة قذف بها
أمواتٌ تتآكل أرجلهم في الأسفل" (8).
يحاول الشاعر في نصه أن يرسم لنا ملامح ذات مستلبة عصية على التجلي لذاتها وبذاتها وهي مُسربلة في قَطرانِ ليلٍ بهيم حوشيّ، والذي يتجلى منها وبها أنجم تشع لأموات/آباء سالفين غابرين وكل ما قد تبقّى من حضورهم أقدامهم المتآكلة التي لا تزال تحرك دفّة الأنساق تحت الخطابات والظواهر الثقافية .
   والذات في هذا الخطاب (اليُتمي) متشظية منفصمة إلى ذات مخاطَبة وأخرى مُخاطِبة، وهي تقنية نجدها في العديد من تجارب الشعراء المعاصرين، إذ تنزاح الذات وتبعد بمسافة عن نفسها إلى ذاتها المرآوية وهي تتملى ملامحها مستعملة ضمير المخاطب المتصل (تبتلعك/تحججت/توهمت) تحاورُ أو تُدين أو تسخط أو تُسائل أو تثور على  ملامحها الستاتيكية القديمة. وهو ما يجعل من حضورها في الخطاب أقل تمركزا وهيمنة بتعدد الأصوات داخله. كما أن الذات هنا تمدح عزلتها وغربتها داخل (غرفة) تعصمها من الناس ومن الوجود... إنها ذات لا تصل، ولا تتواصل، بقدر ما تقطع لتنقطع، كي تظل شاهدة على يتمها الأنطولوجي عبر يُتم جمالي ينزاح بها إلى امتطاء شعرية مستوحَشة في تراكيبها ودلالاتها وإبدالاتها الفنية .
  إنها ذاتٌ لا ينبثق النص من بؤرتها المتعالية على موجودات والنص وكائناته كما في النص الذي تنفتح فضاءاته على أفضية رؤيوية صوفية رومنسية أرحب، وتتكئ أنساقه إلى مرجعيات أكثر قرارا، حيث تستند الذات إلى سرديات كبرى تعلي من حضورها في الوجود، وهو سند يحافظ على تماسكها بل وتضخمها النّبويّ البشاريّ الطافح. ذلك أن الشاعر في هذه المجالات الفنية يُقدَّم في صورة الخلاّق، والمُلهَم من لدن آلهة علوية، أو قوى ميتافيزيقية مفارقة للزمان والمكان، كما أن الكون والموجودات لا تنبثق إلا من روحه " يقول وايتهيد: ليس ثمة من ازدواجية حقيقية بين البحيرات والتلال الخارجية، من جهة، والمشاعر الشخصية، من جهة أخرى.(...) فالشاعر الرومنسي، إذن، بلغته الكدرة أو المتوقدة، بعواطفه ولواعجه التي تجعله يبدو أنه يندمج في كل ما هو حوله، إنما هو نبيّ رؤية جديدة تنفذ إلى أعماق الطبيعة: إنه يصف الأشياء كما هي بالفعل، وما الثورة في الصورة الشعرية إلا ثورة ميتافيزيقية "(9). هذه الذات الحلولية التي لا تعرف حدودها إلا خلف الوجود الواحد هي ذات صوفية أيضا، ولقد لاذ بعض شعرائنا إلى التوسل بمطلق التجربة ولا نهائية الفناء في ملكوت الحقائق العلوية المتّسعة حين ضاقت بهم مدارات الضبط النسقي السلطوي بما رحبت، وأنِفَتْ أرواحُهم من إحباطات التجربة في واقع يتنكَّر لشفافيتها، تَنكّبَت الذاتُ الشاعرة عن فضائها الأمنيوسي التاريخي لتعلق بقوة تخييلٍ رمزي بأقواس الغيوب، لنشهد – منذ تسعينيات القرن الفارط إلى اليوم- هجرة جماعية لافتة لذوات الشعراء الشباب الجزائريين وقتها داخل خطاباتهم إلى هذه العوالم المتعالية واسمة هذه الذوات باغتراب جليّ وبيّن عن واقعها وتفاصيل تجربتها  المتقدة الحية في تاريخها. هي ذات مُعتدَّة بحضورها في الخطاب ومُهَيمِنةٌ عليه لكنها ذات ماحية ماحقة لملامح قائلها وإحداثيات كينونته في ملحمة وجوده.
يقول الشاعر (عثمان لوصيف) في مجموعته (أعراس الملح) :"
أنا ابن الزمان البكر جئت مقبِّلا
                                جبالي وأنهاري وداري وضيعتي
تسربتُ في كهف القرون مغلغلا
                                وعدتُ إلى الدنيا بنار النبوة
تصدَّعتِ الصحراء عني ولم يزل
                                حِراَء يُدوِّي في الوجود بصيحتي"(10)
  لقد بُدِّلت الأرض غير الأرض والسماء غير السماء، وبالتالي الذات الموصوفة غير ذات باثّ النص في هذا المقطع الذي يُبدي تمركزا متضخما للذات ظاهرا... «أنا / جئت/جبالــــ(ي)/ أنهار(ي)/ دار(ي)/ ضيعتـ(ي)/ صيحتـ(ي)/تسربت/تصدعت....» لكنها ذات لا تاريخية ولا زمنية بل أزلية مطلقة ....( أنا ابن الزمان البكر)، (تسربتُ في كهف القرون/ وعدتُ...)، ولأن الذات فرت من آليات استلابها وقمعها إلى انعتاقها وتحررها بهذا التسامي بالغيبي والمطلق فإنها بدت بعرامة حضورية طافحة في الفضاء الدلالي للنص... بدت منغرزة بقوة في بؤرته تحتل الفضاء الزماني والمكاني وتستغرقه وتفيض عنه، لأنها ذات رسولية مفعمة ببشارتها الغيبية الرؤيوية المتعالية على الموجودات... وهو تعالٍ يظل في خدمة النسق الثقافي المتخلِّق في كنف فضاء النص السياقي، إذ لا يعسر علينا أن نستحضر نصوصا دينية غائبة ومرجعيات تاريخية تشهد على انتماء هذا النص. بعكس بعض تجليات الذوات في ما آلت إليه تجارب شعراء على غرار (خالد بن صالح) في مجموعته (سعال ملائكة متعبين) التي تومئ إلى تحولات فارقة في  تحولات الخطاب الشعري العربي الذي لم يعد يعبأ بإعطاء صورة مكتملة لشاعره المتعالي/الفحل/النبي/الملهم/حافظ أختام الحقائق. يقول بن صالح :"
كأي مساء مع امرأة عابرة
أضع أفكاري المتأرجحة جانبا
مستندا إلى لسانٍ رخوٍ
يؤكد غياب المعنى في مشهد ناقص
على قيد الخطيئة" (11).
تُحيل أغلب الخطابات الشعرية الراهنة، وهي تعرض ذات شاعرها إلى حالة من اللاتعيُّن، واللاثبات، والانطباعات الباهتة العرضية الطارئة التي ولَّدتها الأنسنة الهشة التي آل إليها الإنسان (المتجسْدِن) المعاصر في كنف الأنساق الكونية الجديدة... وذلك من خلال عبارة (مع امرأة عابرة)، فالمشاعر عابرة، والأشخاص عابرون، والأمكنة المفرغة من التمثل الإنساني المثخن بالتأمل، والاستذكار المرجعي، عابرة. ويجسد الشاعر كذلك هشاشة ارتباطه باللوائح والتقويمات المعيارية والنسقية التي توضحها عباراته (أفكاري المتأرجحة)،(مستندا إلى لسان رخو)، (غياب المعنى)، والتي ستسفر عن مشهدية شعرية (ناقصة)، بالنظر إلى ما تتطلع إليه القراءة النمطية التي ستخطِّئ هذا النص، وسترمي به في أتون (الخطيئة)، كما يتوقعه له شاعره في مسحة ساخرة تستبق مصيره داخل ثقافته العربية التي لا تزال منكفئة حول تمركزاتها القديمة. وعلى غرار المقطع النصي الذي سقناه آنفا لـ(محمد بن جلول) فإن هذا المقطع أيضا يُقدم الذات الشاعرة متشظية قلقة مكسوفة مكسورة الحضور الذي تتقاسمه بمعية ذات أخرى : (كأي مساء مع....) في نص (خالد بن صالح)، والنص الحواري مع ذات منفصلة عن الذات الشاعرة في نص بن جلول من خلال تقنية سردية طبعت الذات بنفَسٍ حياديٍّ مختلف عما ألفناه في الخطاب الشعري السائد، حين دلَفَتْ الشعرية العربية إلى عوالم ثقافية مغايرة في تاريخها. ويمكننا في هذا الصدد استحضار مقولة جون كوهين وهو يقف عند هذا التمارج الجنساني السردي الشعري الذي انعطفت إليه مسيرة الشعر الحديث إذ يصرح بأن" القصيدة باتت تأخذ عن الشعر المنحى الانفعالي للتجربة، وعن السرد الحياد اللغوي"(12). ففي الشعر العربي، ظل النصُّ ينبثقُ من الذات ويفيض منها  كما ينبثق من العنكبوت بيتُه، ليظل معبرا عنها (أي الذات)، ولم تدلف الشعرية العربية فضاء الحياد التعبيري، والانطباع العابر إلا بعد أن انهارت الحدود بين الأجناس، وصار النص مفتوحا على تناصات لا نهائية، وإحالية متداخلة ومتخارجة داخل أنساقه... ليسترفد الشعر من السرد هذه المسحة البوليفونية (متعددة الأصوات) التي عزاها (ميخائيل باختين) إلى الرواية الحديثة في مقابل الرواية الكلاسيكية ذات الصوت الواحد التي يتجلى فيها سارد واحد مطلق المعرفة بكل شيء .... 
  ونحن هنا سنحاول أن نُقحم هذه التصوات أو بعضها فيما ما آلت إليه الذات الشاعرة وتحولاتها في سيرورة الشعر العربي، لأننا أصبحنا إزاء تجارب شعرية تنزاح الذات فيها عن مركزيتها وحضورها الطاغي لصالح أكثر من فاعل سردي في المشهد التخييلي الذي يؤثث النص الشعري، حتى أننا بتنا نتحدث عن «شعرية التشيؤ» حين تنازع الأشياءُ الذاتَ الشاعرةَ على فاعلية تحريك الوقائع التخييلية، فيبهت حضورها أو يأفُلُ تماما ليتجلى أكثر من فاعل يحيل إليه الخطاب.
فبعدما كان الشاعر (عثمان لوصيف) يقول:"
أنا سيد العشاق
صبٌّ أزفُّ الماء كل مواجدي
وأقول للشعراء هاكم نشوتي ومذاقي‼
جرسٌ أنا...والكون كل الكون ليس سوى رنين" (13) .
صار (خالد بن صالح) يقول:" 
 فرشاة أسنانك مبللة ووحيدة
قارورة مزيل العرق هادئة وفارغة
الماء المنهمر على جلدك دافئ ولا يوحي بشيء
كرسيٌّ تغطي ظهره منشفة تتناثر على حوافها شموس صغيرة
تُعرِّي الكرسيَّ وتلفُّ جذعك بعرش من القطن" (14).
  تنزاح الذات الشاعرة وتأنف من الحضور في هذا الخطاب لتحضر بدلا عنها ذات مخاطبة متوجِّسة، منكفئة، سالبة الفاعلية في خضم تصعيد الخطاب الشعري لفاعلية الأشياء، التي تأنسنت واستأهلت حيوية الذات المتشيِّئة : فالكرسي يتعرى ليكسو الكائنَ البشريَّ عرشَه المفقود... يتطلع الشيء كي يعيد تاج الإنسان لإنسانٍ متشيِّء...وتزدحم الأشياء المُشخصنة في الخطاب لتعبِّر عن غربة الذات ووحدتها ولا انتمائها واستلابها وحيرتها ولا مبالاتها... ويمعن النص في توصيف فعالية الأشياء ليتكرس حياد الذات أمامها إلى درجة تلاشيها حتى أن النص يقرُّ بأن قارورة مزيل العرق صارت هادئة، وقد كفَّ الماء الدافئ عن الإيحاء وهو يسيل على جسد آدمي أفرغه النص من أي إمكانية للبوح أو التعبير... 
إنها نصوص تقول لحظتها الكونية الجديدة وتشهد على مرحلة المَواتَات الثقافية الكبرى والتي من أهمها موت الإنسان عبر تشيئه وتسليعه في عصر الرّساميل المادية العابرة للقارات، وتغول السوق الليبرالي المفتوح في آفاق المعمورة . بعكس المقطع الذي سقناه لعثمان لوصيف حيث لا يزال الإنسان في نصوصه سيد الكون والموجودات التي ما هي إلا رجع صدى لرنينه الخالد. إنها أنساق جديدة حلت محلّ أنساق قديمة يجد الشاعر عندنا ذاته محمولة إلى مداها المختلف في أنماط قولية صارت تتخفف مما تسمه بعبء القصص والسرديات الكبرى التي تُعلي من قيمة الإنسان ... على الرغم من أننا نصادف بعض المفارقات المائزة بين ذوات بعض شعرائنا العرب في حياتهم اليومية وذواتهم الشاعرة السردية في خطابهم... وهو ما يملي علينا أن نفترض استحالة تماهي ذات الشاعر بالذات الشاعرة في فضائنا الثقافي العربي بشكل تام ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتباين في بعض الأحايين النسق الثقافي الذي تخضع له كل ذات على حدة .... ذلك أن أنساق الكتابة الإبداعية وطرائق بثها وتلقيها صارت تخضع لوسائط ثقافية فائقة الاتصال والناقلية تذيبُ خصوصية التجربة الجمالية في صهريج التخييل الكوني الذي بفعل الانتخاب الثقافي / الجمالي يكاد يكون نصا واحدا. ولأنه يتخفف من مقولة الإنسان والإنساني، وخصوصيات السرديات وقصص الأطر الكبرى الحادة بين الشعوب ... فإن النص الكوني الجديد، لكي يستوعب كل فضاء، صار تأبينا لمرتكز الإنسان وبطولات ملحمة وجوده في أنساق هذا الخطاب الشعري الحادث. فمنذ " منتصف القرن التاسع عشر تقدم العلم خطوات جديدة، وعادت أفكار الميكانيكية إلى الرواج. ولكنها جاءت هذه المرة عن مصدر مختلف- لا عن الفيزياء، والرياضيات، بل البيولوجيا- وكانت نتيجة نظرية التطور والارتقاء تقليص الإنسان من المرتبة البطولية التي سعى في رفعها إليه الرومنسيون، إلى ما يشبه الحيوان العاجز، وإذا هو مرة أخرى صغير جدا في الكون وتحت رحمة القوى المحيطة به" (15) . 
وحين نتصفح ديوان الشاعر الجزائري (محمد قسط) الموسوم بـ«الموت موجا» وبدءا من عنوانه الذي سيفتح سيرورة الدلالة فيه على احتمال واحد هو الموت وفناء الذات في كائنات النص فناءً طافيا متموجا لا يكاد يَبين حتى يغرق في لُجَّة أشيائه من جديد.
يقول محمد قسط :"
العصفورة نوتة تهرب من صولفاج الحفيف
الرّيح تعدّل عرَج النغمة، تنزاح الغيمة شبرين
يقول «الماندولين» مشاعرَ قوس قزح...
أوتار«الجاز» تُذوِّبُ الحانة الضحلة..
أشباح نصف مكتملة ترقص غير آبهة..
                                          لمحَّارة الخلود...
                                               في...
                                                     لهاة الساقي...
قطفَ فاكهة الضوء من فم «السّيتار»...
تخرج عشبة بوذا بيضاء من غير سوء...
وتغلي زهرة اللوز في عروة القميص..
حدس الناي يدوزن خزف القلوب
على نبض النار
يتوحّش «البلوز»
على ضفاف مزارع القطن
دودة القزّ تستوطن لثغة الزنوج "(16).
وإذا كانت" اللغة مسكن الكائن و مأواه، كما يقول [الفيلسوف الألماني هايدجر نفسه]، وبها يعمل، بشكل واع أولا واع، على صياغة هويته وإعلان ذاته"(17)، فإن الذات الإنسانية في مثل هذا الخطاب الشعري سوف لن يبدو لنا منها إلا ما يدل على حضورها الخاطف المتوجس اللائذ أبدا بالغياب... واللغة الشعرية هنا وهي تتوسل بالموسيقى فإنها تنضو عنها هالة (الأدلجة) الإنسية التي ظلت تدور في فلكها وفي فلك خصوصياتها ومحدداتها، ذلك أن الموسيقى لغة أعلى؛ لغة الطبيعة والوجود العذري قبل أن تختطفه الثقافة وبالتالي صورة الإنسان المنعكسة في مرآتها... فإذا كانت اللغة بيت الإنسان ... فإن الموسيقى بيت الوجود ... ومن هنا نستطيع –ربما- أن نفهم تشعشع حضور الإنسان وتلاشيه في هذا المقطع الكوني الممتد من الهند إلى أفريقيا الزنجية إلى أمريكا على سُلّمٍ موسيقي ممتد من مطلق التجربة الإنسانية إلى مطلق ترحالها الحرّ، وما يتبع هذا التحريض ضد الإنسان في اللغة من استنفار لحركية الأشياء، وفاعليتها بشكل طاغ :(نوتة تهرب/الريح تعدِّل/تنزاح غيمة/ يقول «الماندولين»/ أوتار«الجاز» تُذوِّبُ/ تخرج عشبة/ تغلي زهرة اللوز/ حدس الناي يدوزن....)...
تخفَّفَ هذا النص من أوتاد إنسانه التي يمكن أن تشده إلى إحداثيات محددة ليندلع بوحه في كل مكان وهو يحرك أوتاره الطلقة المفتوحة من الشرق إلى الغرب... يستطيع هذا النص الحلول في أي موقف إنساني كوني كالموسيقى لأنه تعالى عن خصوصية الانفعال الإنساني المحكوم بسياقاته الخاصة لذا انطفأت جذوة الذات فيه، وهو ما يحيلنا إلى اقترابات (هيجل) الفنية من الموسيقى حين يرفض أي تعريف لها لأنها في نظره " فن ذو طبيعة تجعله أبعد الفنون عن تقبل التعاريف والأوصاف ذات الطابع العام ومضمونها الروحي، أي حركات عالم العواطف وأحداثه يبقى بحكم أنه متصور كداخلية أو بحكم من أنه يؤلف رجع ذاتية أقرب إلى الإيهام واللاتعين وليس هناك على الدوام تطابقا بين التنويعات الموسيقية وتنويعات عاطفة بعينها... يقول هيجل ...وعدم خضوع الموسيقى ضمن هذه الفلسفة لمضامين انفعالية محددة تعبر عنها يجعلها ذات صفة أخلاقية غير مقيدة، أي أنها تعبر عن مطلق الحياة والوجود" (18). ويبدو أن طغيان ظاهرة تحييد حضور الذات في قطاع واسع من التجارب الشعرية الجديدة مرده إلى حالة (الرّجْع ذاتية) هذه، الأقرب إلى الإيهام واللاتعين والتي اقترب منها هيجل، وهو ما نقرأه باطراد في نصوص محمد قسط وهذا النص المتعلق بتلابيب موسيقى الإنسان في كل مكان... حتى أننا لا نجد أي ملمح لذات الشاعر الجزائري وثقافته وبيئته الخاصة في هذا المقطع يدل عليه، في حين أننا نستطيع أن نرسو إلى مرجعيات محددة تؤطر نصوص عثمان لوصيف مثلا حين قال :
تصدعت (الصحراء) عني ولم يزل
                                (حراء) يدوي في الوجود بصيحتي.

حيث تُمعن الذات هنا في انكتابها الناصع وتجليها الحضوري الواضح، بعكس الكتابة بالمحو –باصطلاح محمد بنيس- التي تجترح شعريةً تذكر لتنسى، وتُبدي لتخفي، وتستحضر لتغيب... كما نقرأه عند محمد بن جلول :"
أنا مضرٌّ بوحدتي
أحيانا.
أبني سُلما بأعقاب 
سجائري
وأصعد
وهما من دخان نافر
يتلاشى"(19)

 ففي نص بن جلول الذي يفتتحه بضمير المتكلم المنفصل (أنا)، لا يلبثُ أن يحرق أعقاب هذه الذات بأعقاب سجائره، ويُطيِّر دخانها في دخان أنفاسه المتلاشية...وهكذا تمعن الشعريات المعاصرة في تحييد الذات، وتحييد وجهة نظر الشاعر التي صارت عرضية، راصدة، شاهدة، تعفُّ عن التفسير، والتأمل بإيعاز من الأسئلة الوجودية الكبرى. إنها كتابة التداعي الحر، والملاحظة المنفلتة من رقابة التجربة، والتمارين النسقية حين تذكرنا بما قاله يوما الشاعر البرتغالي فرناندو بسوا :" أنا لست شاعرا...إني أرى، وإذا كان ثمة قيمة فيما أكتبه، فهي ليست لي، فالقيمة ثاوية في أشعاري، مستقلة عن إرادتي"(20) عبر شعرية تأخذ فيها الأشياء والموجودات اللاإنسانية دور البطولة المطلقة عن الإنسان، حيث تصبح التفاصيل الصغيرة التي لا يُنتبه إليها هي التي تحتل المكان وتملأ فضاءه، وتؤثث مرموزه بالكامل. حين تتلاشى الدوال ومدلولاتها، والذوات وحضورها، ويصمد (الأثر) وحده مستميتا في الإحالة إلى ما كان.
 إن شعريةً تنزع إلى تأهيل دور الآثار، هي بلا شك شعرية لا تعوِّل على الحضور، بقدر ما تراهن على الغياب، لتصبح الأشياء والتفاصيل، وعوارض الظواهر تتحرك وتنزاح بجلاء محتلة مركز المشاهد الشعرية عن هامشها المعهود . فهي بالتالي، أيضا، ظاهرة انقلابية تستهدف مقامات الذات بالأساس وهي تراقب تداعيها المُريع من أعالي النبوة، والبِشارات الرؤيوية العارفة إلى ما آلت إليه صيرورة الإنسان في التاريخ وهو يكتشف دونيته وضآلة كينونته في أكوان كلما أمعن في اكتشافها أمعن في انكسافه داخل ذاته.

الهوامش :
(1)-محمد عبد المطلب، هكذا تكلم النص(استنطاق الخطاب الشعري لرفعت سلام)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، 1997، ص 118
(2)-صلاح فضل، قراءة الصورة وصورة القراءة، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1997، ص 116
(3)-محمد القاضي وآخرون، معجم السرديات، دار محمد علي للشر، تونس، ط1، 2010، ص 201
(4)-أنور عبد الحميد المرسي،علم الاجتماع الأدبي،منهج سوسيولوجي في القراءة والنقد، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 2011، ص 110 
(5)-Florent Montaclair, Fantastique et événement: étude comparée des œuvres de Jules Verne et de Howard P. Lovecraft, Vol 621, Annalles littéraires de l'Université de Franche-Comté, Paris,1997, p 43 
(6)- أحمد يوسف، يتم النص، الجينيالوجيا الضائعة، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2002 . 
(7)- - ادوارد سعيد ، ما بعد محفوظ ، تر: ثائر أديب، مجلة الموقف الأدبي ، اتحاد الكتاب العرب ، دمشق،ع 407 ،آذار 2005، ص 64
(8)-محمد بن جلول، الليل كله على طاولتي، دار ميم للنشر، الجزائر، ط1، 2015، ص ص 15، 16
(9)-إدمون ولسن، قلعة اكسل، دراسة في الأدب الإبداعي (1870-1930)، تر: جبرا إبراهيم جبرا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط3، 1982، ص 12
(10)- عثمان لوصيف، أعراس الملح، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط1، 1988، ص ص 42، 43
(11)- خالد بن صالح، سعال ملائكة متعبين، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2010، ص 24
(12)- جون كوهن، بناء لغة الشعر، تر أحمد درويش، مكتبة الزهراء، القاهرة، دط،  1985، ص37.
(13)-عثمان لوصيف، جرس لسماوات تحت الماء، منشورات البيت، الجزائر، ط1، 2008، ص ص 46، 47
(14)-خالد بن صالح، مائة وعشرون مترا عن البيت، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2012، ص 37
(15)- إدمون ولسن، قلعة اكسل، ص 12
(16)-محمد قسط، الموت موجا، دار فيسيرا، الجزائر، ط1، 2014، ص ص، 40، 43
(17)- نور الهدى باديس، دراسات في الخطاب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ، ط1 ، 2008،  ص 173
(18)-سامي أحمد الموصلي، الموسيقى و العلاج الطبي، دار المعتز للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2015، ص ص، 47، 48
(19)- محمد بن جلول، الليل كله على طاولتي، ص 43
(20)- - Alain Bellaiche, Pensée et existence selon Pessoa et Kierkegaard, Presse Universitaire de Louvain, Belgique,2012, p49

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي