loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

البذور الممتازة صفقة خاسرة!

breakLine
2021-01-16

البذور الممتازة صفقة خاسرة!

نورة عبيد / كاتبة تونسية

 

من آيات الوجود ؛وجودي
! ما أدراني؟ كان يمكن أن أكون عدما ! ويحدث أن كنت عدما ! فكلّ همّي منذ وعيت الطين الذي كنته. والأرض التي وطئت، أتتبّع المعنى وأجعل المدى سائبا يستعيد نضارته الأولى في الكلمات. إيه ما أبلغ أن تجرّب الكلمات. وتجرّب أن تلعب معها. كأن ترسلها للريح وتنتظر الإجابة في كلمات ! الريح تستجيب للنّداء .فألقت أجوبة على هامات الأشياء ؛الأشجار والجبال والرؤوس؛ رؤوس البشر والشجر. فأتقصّدها والمعنى السبيل والدليل. وذاك الدّرب خواء .
ماذا أقول كلّما همت بجواب عن سؤال ما أنا ؟ تجمّعت في كلّ الاتجاهات وجوه؛ فيها من وجهي وهشاشتي. وفيها من بأسي وسذاجتي. وفيها إذ توارى الصدى ما يمكث في قلبي يحتدّ كمديّة أو يدور كالأرض ..وأنا هنا أستظلّ بالكلام وشاهدة على غليان الأفكار في صدري. وضلوعي مواقد لنار تستعر بين الجوانح. ورائحة كبدي تنتشر في جوفي .فتأبى أصابعي إلاّ أن تكون ملاعق وشوكات وسكاكين. وكفاحي الوعاء ! مرايا وأخاديد وبئر وفير ماؤها إذا تسلّلت بين شفاهي "أناي". 
ربّما استعرت اسمي الذي كان "نورة". وهمت أن أكون له ندّا ؛ نداء و دورة حياة . يا اسمي "نورة" دعي التاء المربوطة في الوهاد. وتعثّري أنّى شئت لتبلغي الإشباع "نورا" وكوني له سارية . أيّ قلق في الأذهان يبتدع صفاءه في الخطاب إذ انكتب… وأيّ سرديّة تخترق زمانها ومكانها ليجري لسانها بحالها وترحالها. والمعنى هناك بديع كالحياة تعاش لتروى على دفعات . كان أبي مبتدع المعنى وأمّي ظلّ الإله. سكبا حسّي وجسمي واسمي. ثمّ بعيدا بعيدا أفلا في غفلة فساد الأبدان .وتركاني للريح. أقدّ من صفيرها عويلا للروح وبهجة بإمكان .فلا هي بطولة ولا هي مكسب وامتياز .وإنّما هي من أمر الأيّام تجري إلى مجراها .
كلّ الإمكان وإلاّ لا كان. شيء من حديث به حماسة وجود. مرايا مجد للمعنى والمجاز فيه كلّ الحياة التي عشت ولم أعشْ. هكذا بدت لي ذاتي أغصانا بأشجار عليّ أن أتعهّدها بالتثقيف. 
الشجرة أمّ الدنيا لكلّ فيها نصيب. والأغصان أغصاني أديرها بما ملكت. رقيقة كانت تميل بي حينا.    ويا ويلتي كم كسرتها وأنا على قشرتها الطريّة أتدرّب على مصارعة الريح ! حتّى حدّثتها حديث الريح للريح . قالت الريح هازئة: 
-  ثقيل اسمك في القافية!
! عدوت في الأثير صاخبة: 
- دعيه لا حاجة لي للوزن ولا سبب لأوتاد تدقّني هناك عالقة.
فنفختني وعلى جذع الشجرة ألقتني، ثمّ وشوشت ضاحكة:
- لواقح ذارية إلى أغصان سارية . 
أسندت ظهري إلى لحاءات عن الشجرة مارقة. فهدجت كالصارخة: 
- تلك الأشجار في شَجَرٍ. وأغصانها في هرج.
سكنت الريح ثمّ استبدّت حاصبة. فأصابتني حروف وحركات إلى أسمائها عادية كالنبات إلى النّور سامقة. النور ثورة جارية ..واسمي ما كان أسبابا وحركات فالتة . كذا تشفّ الذّات بطبعها مارقة وثائرة. كبذرة تنهض في هودج الطين فلقة دافعة. والطين قدره أن يشدّ السّاق إلى جذعها. ويشيّع الزهرة إلى ثمارها وقلب الحياة أكوان رازحة.
تلك دورة الحياة الكادحة . وُجِدْتُ مع الكادحين والعابثين والمجاذيب والمجانين. 
في قلبي طفولة باذخة. 
هناك وجهي قبل أربعين عاما يرى صورته آفلة. وجسدي النحيل تطيّره نسائم عابرة. فتدقّ قدمي أصابعها جذورا غائرة . 
ماذا أقول شربت حكايات غامضة لأرويها إذا أصبحت باهتة ! وأعيش بقصص متوارثة لأكتبها إذا بات قلبي نافذة. 
في الصّخب جئت سائلة " ما الدّاعي إلى المأكل والملبس ولداتي على الشاشات أجسام عارية"؟            ما حاجتي لأغاني المجد وأمّتي تُقاد إلى الهاوية في هودج عرائس باكيّة ؟ ولدت دون أن تراقب أمّي حملها عند طبيب مختصّ. وعلمت بحملها حين انقطعت لثلاثة أشهر دورة القمر. فتورّد سفح الجبل .وتنهّدت السهول عند منعطف خلف المنزل. وما همّها أن أكون ذكرا أو أنثى. ولدت على شاطئ البحر. فضجّ وانتفض. شيء من بعضي سكنه الموج. وشيء منه اشتدّ بي واستقرّ . الهدير والضجر والقدرة على السباحة أيّ سباحة. فلا عاش من اعتدل . ركضت خلف جدودي لأحفظ الحكايات وبطولة عمّال يصانعون شظف العيش وشدّة اللّسان. 
ركضت خلفهم وهم يصنعون الأمان. 
الأمان صناعة العيش ومجابهة الشتاء والصيف والكتب الشائقة. الكتب ولادات متتاليّة .وذاتي في مرايا الذوات ذرّات سائبة. لست ذاتا تائهة. نا مشدودة إلى سير عابرة للسياقات عبد الله بن المقفّع و منوّر صمادح. أحمد بن أبي ضياف و صالح القرمادي. بودلير و نيكوس كازنزاكيس. بورخيص و مارلين مونرو وديانا وماردونا ... والجواهري والسيّاب وامّ كلثوم ونابليون بونابرت وعلي بن غذاهم وبليقيس وعائشة وسارتر وجيل دلوز ..... أتيت إلى الكتب وأدب السير الذاتيّة أصاب من ذائقتي واهتمامي إصابات …
كنت أتتبّع الخيط الفاصل بين المرجعيّ والإنشائيّ بين الواقعيّ والتخييل .ربّما لأنّ الواقع أشدّ تخييلا من الخيال .وربّما لانّ سيرة الذوات ذاتي بشكل من الأشكال أترصّدها وأتقمّص فرادتها . فكتابة الذات إطلالة على ذاكرة مخاتلة. تجسير لأزمنة متداخلة. 
حلم بماض واستعجال بغد. والقدر هو القدر. 
أثر الفراشة يغلي في قدر على أثاف ،وحولها أرواح تائهة. 
إيه يا زمن الكتابة ماذا تقول في ذات راحلة؟ الزمان والمكان دلالات خاسرة. فلست من اختارها ولست من صاغها. هي أسباب وجود زائفة ! شرّدت ذاتي نشرات الأخبار القاحلة والانتصارات على أفواه مكمّمة بأعذار قاتلة .فذاتي مكتوبة سلفا على هياكل الوجوه الكالحة .أتعبها الضجر والسهر والأغاني إذا كانت نائحة .فلا المتنبي سلم ولا سلمت شهرزاد من ذوات على بابها مائجة ! كتابة الذات أثلام ضاحكة باكيّة. والبذور الممتازة صفقة خاسرة. 
ذاتي هشاشتي وفيها حياتي بأخطائها زاخرة .

 

 

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي