loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

كتابة القصة القصيرة جدًا

breakLine

 

 

حسين المناصرة || كاتب واكاديمي فلسطيني

 

القصة القصيرة جدًا من أحدث الأجناس الأدبية السردية؛ إن صح تصنيفها جنسًا أدبيًا سرديًا مستقلاً عن القصة القصيرة. وقد كثر كتابها في العقدين الأخيرين، إلى درجة أن أصبحت من أكثر الأجناس الأدبية رواجًا في مواقع التواصل الاجتماعي. ولأني لا أفضل أن أكون في موضع مصادرة حق الآخرين في أي كتابة إبداعية  مهما كانت درجة جمالياتها، ودائمًا ما يكون شعاري "لا تخلو كتابة من جمال"؛ فأظن أن هناك عددًا كبيرًا ممن يمارسون كتابة القصة القصيرة جدًا، لا يدركون أهمية هذه الكتابة، وضرورة اتقان كتابتها، وأنها كتابة سردية ليست سهلة كما يعتقد معظم كتابها.
في يوم ما، قلت  وكتبت مراراً أن بإمكاني أن أكتب مئة قصة قصيرة جدًا في يوم واحد، وأجعلها في مجموعة قصصية كاملة جاهزة للنشر، وقد تبدو للبعض أنها كتابة احترافية!! ومن ثمّ لستُ بحاجة إلى عشرة أعوام كي أكتب فيها مئة قصة قصيرة جدًا وأنشرها في مجموعة، وقد لا يزيد ما أنشره في ثلاثين عامًا في كتابتها، على ثلاث مجموعات قصصية قصيرة جدًا!!
أحد الأصدقاء، من كتاب القصة القصيرة جدًا فقط، أخبرني، قبل عدة أعوام، أنه لم ينشر  أية مجموعة قصصية، رغم أنه يكتبها منذ خمسة عشر عامًا؛ لأنه يحتار في اختيار القصص القصيرة جدًا من بين ما كتبه في هذا المجال لإصدار مجموعته الأولى، فقلت له بإمكانك أن تنشر مئة قصة، وفي ظني أنه كتب ما يقارب هذا العدد ، لكنني فوجئت به يخبرني أنه يكتب يوميًا تقريبًا خمس قصص قصيرة جدًا، وهذا يعني أنّ لديه عدة آلاف من القصص القصيرة جدًا... فقلت له، مازحًا: ابدأ بنشر المجموعة التي تبدأ عناوين قصصها بالهمزة!! ولا أعتقد أنه نشر أية مجموعة قصصية حتى اليوم!!
يبدو أن عدد كلمات القصة القصيرة جدًا  المحدود جدًا هي الذي يغري كُتّابها بالإكثار منها كتابة ونشرًا... ومع كون القصة القصيرة جدًا قد تصل إلى صفحة  أو صفحة ونصف ؛ فإن البعض  لا يراها تتجاوز عشرين أو ثلاثين كلمة، على طريقة هذه القصة القصيرة جدًا ، التي أكتبها في لحظتها:
احتراق
مرّت أيامه مثل لمح البصر!!
نظر في مرآة معتمة، فرأى البياض يلفع رأسه..
كأنه سيجارته المحترقة...
بعد يومين، قرأوا الفاتحة على تراب قبره المبلل بالماء !!  
نعم، بالإمكان كتابة مئة قصة قصيرة جدًا في عدة ساعات، ولكنها في المحصلة  ستبدو غير مقنعة؛ لأنها كتابة عادية، ميكانيكية، بلا تجربة حقيقية، وبلغة أقرب ما تكون إلى التلاعب بالعبارات؛ لإنتاج المفارقة، والسخرية، والتكثيف...إلخ.
إذا كانت كتابة وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تويتر، تستدعي أن يكون حجم القصص القصيرة جدًا محدودًا بعدد الكلمات أو الحروف ، وأن المتفاعلين مع هذه الوسائل الإلكترونية غدوا من قراء النصوص القصيرة جدًا، فهذا لا يعني أن تكون هذه الكتابة ذات مستويات عادية جدًا، أو فيها أخطاء فاضحة، ومن ثم لا يمكن أن تدرج في باب  الأدب الذي يستحق التقدير والتميز، خاصة أننا أصبحنا في زمن الكتابة التي لا تصنع أسماء معينة، ربما لكثرة الأسماء، وللتشابه الكبير وعدم التمييز بينهم؛ فغدا حينئذ  الجنس الأدبي هو الإشكالية؛ أي قولنا (القصة القصيرة جدًا)، يعني أننا أمام جنس أدبي لا يكاد يبرز أشخاصًا مميزين عن غيرهم  في هذا المجال، على طريقة ما كان قبل عشرين أو ثلاثين عامًا؛ عندما نذكر مثلاً  زكريا تامر في القصة القصيرة جدًا.
في يوم من الأيام، طلبت من أربعين طالبًا تقريبًا، بعد حديث عن القصة القصيرة جدًا، وطريقة كتابتها، وأهم عناصرها وسماتها، وخاصة  المفارقة  والإدهاش...، أن يكتبوا  قصصًا قصيرة جدًا... فماذا كانت النتيجة؟! لا يمكن أن لا نقول عن أية قصة قصيرة جدًا كتبوها أنها ليست قصة قصيرة جدًا!! إذن كل الناس بإمكانهم أن يرووا في كل يوم عددًا كبيرًا من القصص القصيرة جدًا بطريقة أو بأخرى ، وهذا يعني أن العالم كله قادر على أن يمارس كتابة القصة القصيرة جدًا.
عندما بدأت ابنتي قبل ست سنين تكتب القصة القصيرة ، فوجئت  بأنها كتبت نصًا هو مجموعة من القصص القصيرة  جدًا، فلما سألتها عن تحولها من كتابة القصة القصيرة إلى القصة القصيرة جدًا، استغربتْ؛ لأنها أخبرتني أنها تكتب القصة القصيرة فقط، ولم تسمع بالقصة القصيرة جدًا، وهي على أية حال كانت قاصة في الصف الثاني الثانوي فقط، ونشرت المجموعة في نهاية العام الدراسي، وتوقفت بعد ذلك عن كتابة القصة إلى اليوم. وهذا  يعني أن الحالة القصصية هي التي تكتب أو تفرض نفسها على الكاتب، وعندما تتوقف  لا بدّ أنها ستتوقف  لتعود وتظهر بعد ذلك أو لا تظهر أبدًا، فهناك كثير من كتاب القصة القصيرة ، وحتى القصة القصيرة جدًا توقفوا عن كتابتها. وهذا يعني أن الكتابة الإبداعية لا يمكن أن  تكون آلية أو باختيار  مسبق، بدون تجربة محفّزة، على طريقة "القصيدة تكتب شاعرها".
إذن، القصة القصيرة جدًا تجربة إبداعية مكثفة، ذات صياغة جمالية عليا، يكتبها مبدعون محترفون، هم منتج قراءات معمّقة في مجالها؛ لأنّ القراءة  الكمية والنوعية في الوقت نفسه لنماذج قصصية قصيرة جدًا ، هي أفضل السبل إلى إنتاج قاص يستحق أن يكون قاصًا، قادرًا على أن يكتب القصة القصيرة جدًا في مستوى عالٍ فنيًا!!
سبق أن قدمت عدة دورات في مواقع مختلفة في مجالات الكتابة الإبداعية ، ومنها كتابة القصة القصيرة جدًا، وكان السؤال الأكثر إلحاحًا في مجال الكتابة عمومًا، والقصة القصيرة جدًا خاصة، هو: كيف أصبح قاصًا حقيقيًا؟!  وكانت الإجابة الوحيدة : قبل أن نكتب علينا أن نقرأ ، ثم نقرأ ، ثم نقرأ في  المدونة التي نريد أن نكون من كتابها؛ فمن وجد أنّ لديه ميولًا في كتابة القصة القصيرة جدًا؛ فعليه  إن يقرأ  ما لا يقل عن مئة مجموعة قصصية قصيرة جدًا؛ حتى يتمكن من أن يكون  كاتبًا جيدًا في مجالها.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي