loader
MaskImg

المقالات

مقالات ادبية واجتماعية وفنية

مظفر النواب يقول انظروا ما أكثر الدغش

breakLine

جاسم المطير | ناقد عراقي

 

لماذا وجدت قصيدة مظفر النواب للريل وحمد) وما بعدها، من قصائده الشعبية الأخرى، سرعة في تجاوب القراء والنقاد معها ..؟ هذا سؤال مهم، تتساوى أهميته مع أهمية القصيدة. سؤال لا يخلو البحث عن جوابه من علة وإرهاق، كما لا يخلو من ازمة مركبة من تناقض وازدواجية قيم العاشقين وجحود الغشاشين.!

حين نقرأ القصيدة، لأول مرة او نعيد قراءتها، فأن كل واحد منا يشعر أنه حقق نصراً ما. حقق نصراً واقعياً قد يصل الى حدٍ عالٍ أو إلى درجة عالية. كلُّ شيء في ابياتها مفهوم. لا يغامر أي واحدٍ من القراء بوقته أو بجهده، عبثاً أو مضطراً إلى تحريف معين في بعض كلماتها او تفسيرها بمكيالين او اكثر. لا يحتاج القارئ الى تأويل او تفسير او قاموس او ترجمان، كما لا يحتاج الى أي وحي من السماء لأن مظفر النواب انجب قصيدة تفيض بالوضوح المستحدث، كما تفيض بفرح الحب الموروث من ام شامات التي حضرت حفرة حب عميقة في قلب حبيبة لم تلتمس شعراً من شاعر.


كل كلمة شعرية جاءت بقلم الشاعر متناسقة مع الأخرى، قبلها أو بعدها قدم لنا موضوعاً مهماً عن (الداغش حمد).. قدمه، لنا، الشاعر مظفر النواب بواقعية وجدانية عن خيانة (حمد) بتخليه عن وعوده وعهوده بالزواج من حبيثه الشاعر أظهر (الدغش) خيانة و(الداغش) خائنا الى حد لا يمكن للمدغوش به) أن يعيش مع (الداغش) اومع ذكراه. انه حمد، شخصية سطحية او شخصاً مسطحاً، لم ولن يصعد الى العلاء الدغش روح حيوانية تعيش بأعماقه. كان (حمد) يتصور أن وجوده الذكري يمنحه مقاماً حصيناً، ليكون ولي السياط المسلطة على حبيبته الانثى. انه ذكر لا يتردد من فرض دعائم وجوده على انشاه، مهما كان (الدغش) تعباً، لكن تظل الاناث تعاني من ذكورية الدغاشين. الدغش.. فعل يصمت له الناس لأنه قد يحمل دمار الغش في العلاقة بين الناس. الدغش كلمة عامية وفصحى متساوية في معناها العامي والفصيح. كلمة عامية واحدة لها أصول فصحى كانت كافية جداً في ادانة (جريمة حمد) حيث لم يستطع المجرم إنجازها إلا حين ارتعشت قدماه وارتجفت جميع عظام بدنه في التعامل مع انثاه، مع حبيبة اتخذها أملاً منذ أيام الطفولة والصبا، منذ اتكل على متنع نهديها وشفتيها كل الاتكال از هر ،دغشه معها، إلى قطع صلة وصله بحبها، حين انثى ظلت تحاول ارتقاء المرتفعات كي ينتصر (الحب) بوميضي شعاعه، لديها، حيث ما زالت تسبح بكلام: (حبي بعد ما مات) .

 


فهمتُ بكل قياس ومن كل موقف ان شخصية مظفر النواب هي شخصية شاعر فذ بثياب لا يضرها ندى ولا مطر لأن عقله الشعري منسوب قياسه الى (الحركة) في معرفة الناس ونوعيات مراتب اخلاقيتهم .. يملك تجارب شعرية، غزيرة ومفردات لغوية كثيرة، مما أهله ان يجري نظامية أبياته الشعرية بعد ارتداء نظارات ليست ملونة، تمكنه من رؤية حقائق الآخرين مهما كانت مقابحهم مؤذية أو فاجرة كانت رؤيته الشاعرية ( محايدة) بنظرة واقعية قد تكون مخالفة للحقيقة كما فعل تخرج نمساوي في فيلم العيش في عالم معكوس( لاحظ ان مظاهر الرؤية لدى الانسان النمساوي ليست واحدة عند كل الشخصيات الأوربية . منهم من لا يمكن الاعتماد عليه والوثوق به، إذا لا يستطيع السير بخط مستقيم مع الآخر. استطاع مظفر النواب، هنا، في انتاج واخراج قصيدة (الريل) ان يكتشف حقيقة (حمد) المحبوس في الجنون الذكوري، مما جعله مخروعاً من نفسه ومن شدة اخلاص حبيبته. اكتشفت شاعريته الحيادية أن (حب حمد) كان حباً منسوباً إلى صيف ،قائظ، كما البهائم في فصل الخريف. هنا، يصل الشاعر النواب الى حقيقة سامقة، هي: ان حمد لا يحب حبيبته لأنها حسنة الخلق، حيث ما زال قلبها يحمل حبها له من وجهة نظر القصيدة

أسمه (حمد) لكن ميراثه ليس حمداً ولا محموداً. لم ينل حمداً ولا محموداً حتى من حبيبته المبتهجة، برعوده عليها الملتهب بشرار نار منه عليها.


انه مربوع بـ (الذكورية)، كما ظهرت اجلالية حمده، من دون مجد، وبانت سبوكيته التسلطية، من دون عز على امرأة تحبه، بعد ان حكت له قصتها، لا يمكن أن ينسجم (حمد) مع اخلاقية امرأةٍ مخلصة، رقيقة افكارها عن رفاه الحب، وقوية عظامها في مواجهة بؤس الحب. ربما كان (حمد) قد شهد حالة والدته على فراشها في اثناء احتضارها. لم تدمع عيناه لأن أمته الراحلة مجرد (أنثى) لا يمكن تذكارها إلا في المطبخ والفراش. بنظر الذكر (حمد) ان المرأة، كل امرأة، تولد وتعيش وتموت، مثل الحيوان.

جاء مظفر النواب من بغداد جالساً، من دون جبر ولا اختيار، في أحد فاركونات الريل. ثم صعدت امرأة بعد ساعات بقلب خالص يخفي جراح حب احدثها موقف (حمد) منها، فهي حبيبته.. ربما تحمل قلباً يبكي، صامتاً، بمرارة .

جلست المرأة إلى جنب الشاعر، من دون جبر ولا اختيار سمع الشاعر صوت دموع امرأة تخطاها موقفٌ مهينٌ من حبيبها. لم يجد . النواب سلاماً واماناً في عهدة امرأة فاركون يتحرك فوق سكة من محنة . وصنعها (حمد) حبيب هذه المرأة الجالسة بجانب الشاعر، بإحساس عظيم من سلم وامان، إذ لم تشعر ان بليةً قد تغشاها من إنسان بمظهر هذا الجالس الى جانبها. أخبرتها عيناها أن هذا الانسان من نوع رجال ابتدعوا مدار علاقاتهم الإنسانية لنصرة كل مظلوم.


حدثها وجدانها: هذا رجلٌ سيصغي إلى كلامها وينصت إلى نهداتها وسيكون لها غيثاً.. اخبرها قلبها ان الشاعر لا يتملق منها شفتيها، ولا يريد ان يدفعها إلى شرك معين. اخبرتها عينا الشاعر انها اكتشفت انساناً، لا اثم في معرفته ولا نفاق، بل هو رجل من رجال الخير في هذا الزمان الشراني

نقشت له، بلسان صادق، عن خصومتها مع حبيبها، أو عن خصومة حبيبها معها. في لحظة من لحظات الشوق الى الابداع ظنّ الشاعر مظفر النواب ان هذا الفاركون سيجد ابداع قصيدة شعبية عن حب من نوع عظيم. أظن، انا، لوركب، على هذا الفاركون الاديب الايرلندي جيمس جويس لكان هذا الكاتب قد خلّد (الريل العراقي) برواية مهووسة بالحب، حتى يجعل أسنان القارئ تصطك من الألم. هذا الموقف يجب ادانته شعرياً.

لن يكون غير الشاعر مظفر النواب قادراً على إدانة آلام الحب كان شوق الشاعر مظفر النواب الى ان يسمح لقلبه ان يتدفق، شاعرياً، في منتصف الليل، حين مرّ قطار الليل بقرية ام شامات وهو يؤنبها تأنيباً شعرياً، بمحاذاة نهر

الفرات، مفكراً بمصير الحبيبة. أقنعت القصيدة جميع من قرأها عند صدورها. ربما وصلت نسخة منها إلى الشاعر الإنكليزي الحديث بشعره وأناقته وتوتر أعصابه ت. س. إليوت او الى الشاعر العربي القديم النابغة الذبياني، الذي عاش في زمان كان فيه العيش غليظاً وكان مكر الثعلب وذكر الفيل، وما زال التفرطح مستمراً، حتى اليوم. مسيطراً على العلاقة بين الناس، حيث كل شيء كان مفرطحاً مثل خنثى البقر

جاءت قصيدة النواب مخصصة للريل وحمد) في زمان التباطؤ والحماقة

والاضطراب والقمع.. في زمان عدم الاستحياء من جلط حقوق المرأة وبسط هبوب

رباح الحب في قلبها. تخشعت القصيدة بيد ،شاعرها مكفكفة دموع المقهورين من آلام

الحب لا يشكون حزنا غير انكسار الحب بسوط من حمد حب ناقص لم يكتمل، لا

في صولته بقلب حمد ولا بين جناحي حبيبته الموعودة بالهزيمة والانكسار لم تعبر القصيدة عن حالة نفسية خائرة، لدى امراة ما مات حبها. لم تجعل الشاعر مظفر النواب، شاعراً متطيراً، بكلماته الشعرية. كان قد وجد في الحب ذكريات الخير بنجدة الطفولة وطيبة المجد في ايام الشباب لم يسر مظفر في أبيات شعرية مظلمة، انما ظل ولاء قصيدته الى خير اشم يكرر فيه قولته الشعرية، اللازمة: هو در هواهم ولك حدر السنابل كطا.

أية قدرة شاعرية هائلة امتلكها مظفر النواب كي يبرهن على الطعن بالحب لمجرد إيراده كلمة واحدة. جاء مدغدغاً بها ثقافة اللغتين العامية والفصحى. هذه الدغدغة

لا نحتاج الى شرح ولا إلى تفسير . كلمة (دغش) في اللغة الفصحى تصب في نفس مصب اللغة العامية أصل الدغش هو الغش.

...........................

الاخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والقصائد والصور والفيديوهات وغير ذلك من فنون يرجى زيارة موقع نخيل عراقي عبر الرابط التالي :-

www.iraqpalm.com

او تحميل تطبيق نخيل

للأندرويد على الرابط التالي 

حمل التطبيق من هنا

لاجهزة الايفون

حمل التطبيق من هنا

او تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي 

فيس بوك نخيل عراقي

انستغرام نخيل عراقي